الفصل الأخيـــر : غَيابـــة الصحـــراء
في صباح اليوم الثالث توجه الرفاق مرة أخرى صوب اتجاه الواحات حسب احداثيات الخريطة التي يتوفرون عليها ، و ماهي الا ساعات معدودة حتى تبدت امامهم بحيرة كبيرة تموج بالماء موجا ، فقال سمير: و أخيرا بلغنا منطقة الواحات ، يبدو أن رحلتنا على وشك النهاية. فقال البروفيسور و هو يزيد من سرعة السيارة: --لا تفرط كثيرا في الأمل فنحن لم نعرف بعد أي خبر عن الدكتور / سليم / العالم السعودي المفقود و لسنا متأكدين حتى من تواجده بالمنطقة. و لم تكد السيارة تبلغ منطقة البحيرة حتى أصيب ركابها بالدهشة العارمة و بالاستغراب الشديد ، فلم يكن هناك لا ماء و لا بحيرة و لا أي أثر لحياة نباتية أو حيوانية على الاطلاق ، مجرد رمال في رمال و صحراء جرداء ممتدة في الأفق البعيد كأنها محيط مترامي الأطراف لا شاطئ له. فأصاب الجمع وجوم تام و احباط كبير قبل أن يقول / ياسر/ بصوت ضعيف: -- انه مجرد سراب يا رفاق ، انه سراب الصحراء و هو وهم يتراءى للمسافرين عبر دروب الفيافي الملتهبة نتيجة الحرارة الشديدة و الهواء الساخن ، لا عليكم أيها الاخوة ، سنواصل مسيرنا و الله هو الموفق ، سنتوكل عليه و لن يخيب ظننا فيه. واصلت السيارة مسيرها عبر دروب الكثبان الرملية الضخمة حتى تراءت أولى أشجار النخيل الخضراء الزاهية معلنة بلوغ منطقة الواحات ، فتهللت أسارير الجميع غبطة و سرورا بحصولهم على أولى أطواق النجاة التي تنقذهم من الغرق في بحر الصحراء العميق و المليء بالأخطار و الأهوال. و ما هي الا دقائق معدودة حتى وجدوا أنفسهم في حضرة الشيخ /راشد/ شيخ القبيلة الذي استقبلهم بحفاوة بالغة و بكرم صحراوي مغربي أصيل خفف عنهم كثيرا عناءهم و جهدهم و أنساهم قليلا من المعاناة الرهيبة الي عاشوها آنفا ، كما تمت معالجة اثار عضة العقرب التي تعرض لها / ياسر/ و ذلك باعطائه ترياقا مناسبا للسم الذي سرى في جسده ، حيث أن العقرب السوداء الضخمة التي لذغته معروفة لدى القبائل المحلية . و في صباح اليوم الرابع كان الرفاق قد تمكنوا من اراحة اجسادهم المنهوكة قليلا بعد حصولهم على استقبال كريم و مضياف و نوم مريح و هانئ طيلة الليل ، فدعاهم الشيخ /راشد/ الى خيمة الضيافة الكبيرة و تناول وجبة الافطار برفقتهم قبل أن يسأل: لحد الساعة لم أعرف السبب الذي دفعكم الى المغامرة بأرواحكم وسط المجهول حتى بلوغكم أرضنا ، فالاتجاه الذي قدمتم منه ليست طريقا صحراوية و انما مجرد صحراء موحشة لا يجرؤ أحد قط على عبورها حتى أبناء المنطقة أنفسهم. فقال البروفيسور:--و هذا هو ما يفسر رفض جميع المرشدين مرافقتنا ، لأن الاتجاه الذي سلكناه ليست طريقا و انما مجرد فيافي مقفرة . ثم حكا له بالتفصيل دواعي سفرهم و أسباب قيامهم بهذه الرحلة المضنية. فقال الشيخ راشد: --انكم تتحدثون عن ظاهرة غريبة و فريدة نادرة الحدوث ، و هي تحصل مرة كل بضع عشرات من السنين ، و تقع خاصة في المناطق الصحراوية النائية و الموحشة ، حيث تظهر /غيابة/ وسط الرمال،و هي مهبط في الأرض لا قعر و لا قرار له ، تبتلع الأشخاص والأجسام التي تقترب منها ثم تختفي في لحظات معدودة ، و لا أحد يعرف مصير الأشخاص المفقودين كما أن هذه الغيابة تظهر فجأة وسط الصحراء و تلقي بأشخاص مجهولين و بأجسام مختلفة ثم تنمحي سريعا ، و قد ألقت الينا احدى هذه الغيابات مؤخرا شخصا يتحدث بلهجة خليجية و هو مريض يتلقى علاجه باحدى الواحات القريبة و أرجو أن يكون هو ضالتكم المنشودة. فابتهج الجميع اثر تلقيهم هذه الأنباء السارة ، فقال / ياسر/: -- الحمد لله أن مجهوداتنا و معاناتنا طيلة الأيام السابقة لم تذهب سدى. فقال سمير: --نحمده و نشكره كثيرا ، لكن ينبغي علينا عدم الافراط في الرجاء قبل أن نلتقي هذا الشخص و نتأكد من هويته . فقال الشيخ/ راشد/: سوف أبعث معكم أحد العارفين بدروب الصحراء ليرافقكم الى الواحة المنشودة لتتأكدوا من هوية صاحبكم ، و سوف يصطحبكم الى مدينة / الكويرة / في حال رغبتم في العودة اليها حيث سيسلك بكم احدى الطرق الآمنة و المعروفة. فقام الثلاثة بشكره غاية الشكر قبل أن يتوجهوا الى الواحة القريبة ، و ما هي الا لحظات حتى التقوا بالشخص الخليجي الذي لم يكن سوىالدكتور /سليم/ العالم السعودي ، ففرحوا بذلك غاية الفرح ، ثم طلبوا منه مرافقتهم الى مدينة / الكويرة/ استعدادا للعودة الى أهله و أسرته ، فأخبرهم بأن عليه المكوث يومين آخرين ريثما تتحسن حالته الصحية قليلا و يقوى على السفر فلازموه خلالهما مستمتعين بالطبيعة الخلابة للواحة الظليلة ، ثم عاد الجمع الى مدينة / الكويرة/ و لم يلبث العالم السعودي أن التقى بأهله و سط دموع فرحة اللقاء بعد أشواق الفراق في حين أصبح /سمير/ و / ياسر/ صديقان حميمان بعد مرورهما بتجربة فريدة قل مثيلها ،أما البروفيسور / نادر/ فعاد الى مدينة مراكش بعد أن ملأ جعبته بخبرة جديدة حول غيابات الصحراء لتنضاف الى سجله الحافل بالغرائب و العجائب
النهايـــــــــــة